أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى القلعي - رسالة جديدة إلى رفيقي السلفيّ















المزيد.....

رسالة جديدة إلى رفيقي السلفيّ


مصطفى القلعي

الحوار المتمدن-العدد: 3897 - 2012 / 10 / 31 - 12:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الدرس الجاحظيّ
اعلمْ سبيل الحقّ وأنت.. تضحك

صباح الخير رفيقي السّلفي
أتابع بخيفة وتوجّس ما يحدث منك ومعك في دوّار هيشر، وأرجو لك السّلامة، وأرجو أن تؤوب سالما من أجل أمّك وأطفالك، وأرجو أن تعي أنّك مخطئ فتوقف أذاك عنّا.
رفيقي
وددت أن أقول لك إنّني أفهم ما تفعله ولكنّي لا أتفهّمه (أتفهّم، في استعمال المعاصرين اليوم، تعني أقبَل وأعذِر)، بمعنى أنّ المطّلع على خلفيّاتك ومراجعك يمكنه أن يصل المقدّمات بالأفعال والتطوّرات فيفهمَ النتائج. والحقيقة، يا رفيقي، اسمح لي أنّ أقول إنّ فهمك للمراجع والخلفيّات التي تتّكئ عليها لتكون ما أنت كائن عليه ليس فهما مثاليّا ولا جدليّا. وإنّما كنت حنبليّا وهّابيّا متمسّكا بظاهر الحكم مصرّا على تطبيقه معتقدا أنّه شرع الله وقضاؤه اللذين لا رادّ لهما. واسمح لي أن أقول إنّك تكابر وتعاند حتى لا ترى الحقائق. فالثقافة العربيّة الإسلاميّة عاشت جدلا قويّا متّصلا بفهم بالشريعة وبوصلها بواقع النّاس. ولا أدري لماذا اخترت من هذا التراث المتنوّع الخصيب مذهبا واحدا عددته الأصحّ، وكلّفت نفسك غير مشكور بفرضه علينا. فلماذا ألغيت تعدّد الشريعة وثراءها؟
رفيقي
سأكون معك واضحا؛ إنّ فهمك الرّاديكاليّ للشريعة جعلك تظهر بمظهر الدمويّ المخيف الذي لا يرضى بغير إراقة دم الآخرين تنفيذا لشرع الله. فنراك تستحلّ دماء النّاس المحرّمة عليك وعلى غيرك فتقطع الأيدي والرؤوس وتحفر في الوجوه وتجبر الخلق على دربك لأنّك تراه درب الحقّ. قد أفهم ما تفعله. ولكنّي لا أتفهّمه. وهل يرضى الله بما تفعله؟ هل وجدت في سيرة نبيّه ما تحتذي به؟ هل نُقِل عنه أنّه قطع يدا أو رقبة أو أجبر أحدا على الإسلام أو على الشريعة؟ كيف تترك الأصل وتتّبع الفروع الشاذّة؟
رفيقي
لقد أنتجت الثقافة الإسلاميّة عقولا فذّة تفطّنت إلى ما في بعض الأفهام للشريعة من غلوّ وتطرّف فبحثت عن دروب أخرى وابتكرتها. أعتقد أنّك تعرف الجاحظ. لابدّ أن تكون قد سمعت به يوم كنت في مقاعد المدرسة تلميذا نجيبا واعدا وطنك وشعبك بالخير قبل أن تستلبك المنعطفات المظلمة. هذا الجاحظ العظيم، يا رفيقي، كان يؤمن بالشريعة مثلك. وكان يطمح إلى نشرها بين النّاس. ولكنّه اختار منهجا مختلفا عن منهجك. فعاش الجاحظ في الأفئدة. واحتفظ في التاريخ بتأثيره. فكلّما قرأت أدبه طربت وتعلّمت وقلت طوبى للعقل الإسلاميّ الفذّ، إنّه عقل إنسانيّ منفتح مبدع ملهم للإنسانيّة جمعاء.
رفيقي
لعلّك تعتقد أنّ منهج الجاحظ أصعب من منهجك، وأنّك لا تتقن غير ما تفعل. لا، منهج الجاحظ أسهل من منهجك وأشدّ أثرا في النّفوس وأكثر إنسانيّة. والمعادلة سهلة؛ أنت لن تقنعنا لأنّك تخيفنا، يعني تريدنا أن نتبعك بإخافتنا. ألا ترى أنّ ذلك هو الاستبداد عينه. لقد جرّبته معنا وتعرفه. ألم يكن يُفرض علينا القبول والصمت بل الضحك والتصفيق ونحن كارهون؟ أمّا الجاحظ فيقنعنا لأنّه يطربنا ويمتعنا. إذن، الإقناع لا يكون مع الخوف، يا رفيقي، بل مع الطرب والمتعة. أرأيت أنّ الجاحظ أكثر حداثة ومعاصرة منك رغمّ أنّه سبقك بأكثر من إثني عشر قرنا من الزمان؟
رفيقي
أعرف أنّك تسألني الحجّة. إليك حجّتين مستمدّتين من كتاب البخلاء. وهو كتاب أدبيّ، كما تعرف. وليس كتابا في الفقه ولا في أصوله. الأولى هي نادرة زبيدة حين سكر. والثانية نادرة أبي سعيد والكساحة. وقد اخترتهما لأنّهما تتناولان موضوعين فقهيّين شرعيّين من المواضيع التي ترهق نفسك عبثا في إجبار النّاس على تطبيق ما تراه الشرع الحقّ فيهما بقطع أياديهم وإتلاف موارد أرزاقهم، هما "السّكر" و"السّرقة".
• الأولى:
«سكر زبيدة ليلة فكسا صديقا له قميصا، فلمّا صار القميص على النّديم خاف البدواتِ وعلم أنّ ذلك من هفوات السّكر. فمضى من ساعته إلى منزله، فجعله بَرنكانا لامرأته. فلمّا أصبح سأل عن القميص وتفقّده. فقيل له: إنّك قد كسوته فلانا. فبعث إليه، ثمّ أقبل عليه، فقال: أما علمتَ أنّ هبة السّكران وشراءه وبيعَه وصدقتَه وطلاقَه لا يجوز؟ وبعدُ، فإنّي أكره ألاّ يكون لي حمدٌ، وأن يوجِّه النّاس هذا منّي على السّكر، فرُدّه عليّ حتى أهبه لك صاحيا عن طيب نفس، فإنّي أكره أن يذهب شيء من مالي باطلا. فلمّا رآه صمّم أقبل عليه فقال: يا هناه، إنّ النّاس يمزحون ويلعبون ولا يؤاخذون بشيء من ذلك. فرُدّ القميص، عافاك الله.
قال له الرّجل: إنّي والله قد خِفت هذا بعينه، فلم أضع جنْبي إلى الأرض جتى جيّبته لامرأتي. وقد زدت في الكُمّين وحذفت المقاديم. فإن أردت، بعد هذا كلّه، أن تأخذه فخذه.
فقال: نعم، آخذه، لأنذه يصلح لامرأتي كما يصلح لامرأتك.
قال: فإنّه عند الصبّاغ.
قال: فهاته.
قال: ليس أنا أسلمته إليه.
فلمّا علم أنّه قد وقع، قال: بأبي وأمّي رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- حيث قال: جُمع الشرّ كلّه في بيت وأُغلق عليه فكان مفتاحه السّكر»
رفيقي
أين أنت؟ لا تبتعد كثيرا. أنت هنا. طيّب. ما رأيك فيما فعله رفيقنا أبو عثمان؟ أليس جامعا بين الضحك والمتعة والعِظة؟ لقد قدّم الحكاية الأدبيّة التي فيها تورّط بطله البخيل في سكرة. ثمّ من الحكاية، استدرجنا إلى الحكم الشرعيّ الكامن في الحديث النبويّ، والذي يقضي بأنّ السّكر هو بيت الشرّ. لقد دعا إلى الانتهاء عن السّكر عبر حكاية مضحكة طريفة. ولم يأمر، ولم ينصح، ولم يهد، ولم يعلّم، ولم يتوعّد، ولم يهدّد، ولم يرهّب، ولم يحتج إلى السّاطور والخنجر.
• الثاني:
«كان أبو سعيد ينهى خادمَه أن تُخرج الكُساحة من الدّار. وأمرها أن تجمعها من دور السكّان وتُلقيَها على كساحتهم. فإذا كان في الحين بعد الحين جلس وجاءت الخادم ومعها زِبِّيل، فعزلت بين يديه من الكساحة زبّلا. ثمّ فتّشت واحدا واحدا.
فإذا أصاب أصاب قِطع دراهم وصرّةً فيها نفقة والدّينار أو قطع حليّ، فسبيل ذلك معروف. وأمّا ما وجد فيه من الصّوف فكان وجهه أن يباع، إذا اجتمع من أصحاب البراذع، وكذلك قطع الأكيسة. وما كان من خرق الثياب فمن أصحاب الصّينيّات والصّلاحيّات. وما كان من قشور الرمّان فمن الصبّاغين والدبّاغين. وما كان من القواير فمن أصحاب الزّجاج. وما كان من نوى التمر فمن أصحاب الحشوف. وما كان من نوى الخوخ فمن أصحاب الغرس. وما كان من المسامير وقطع الحديد فمن الحدّادين. وما كان من القراطيس فللطّراز. وما كان من الصّحف فلرؤوس الجرار. وما كان من قطع الخشب فللأفّاكين...
وإذا بقي التّراب خالصا وأراد أن يضرب منه اللَّبِن للبيع أو للحاجة إليه، لم يتكلّف الماء ولكن يأمر جميع من في الدّار ألاّ يتوضّؤوا ولا يغتسلوا إلاّ عليه. فإذا ابتلّ ضرب منه اللَّبِن. وكان يقول: مَن لم يتعرّف الاقتصاد تعرُّفي فلا يتعرّض له.
وذهب مِن ساكن له له شيئ كبعض ما يُسرق من البيوت. فقال لهم: اطرحوا اللّيلة ترابا فعسى أن يندم مَن أخذه فيُلقيَه في التّراب ولا يُنكَر مجيئه إلى هذا المكان لكثرةِ من يجيء لذلك. فاتّفق أن طُرح ذلك الشيء المسروق في التّراب، وكانوا يطرحونه على كناسته. فرآه قبل أن يراه المسروق منه. فأخذ منه كراء الكناسة.
فهذا حديث أبي سعيد»
رفيقي
مازلت هنا؟ ممتاز. ماذا فعل رفيقنا الجاحظ؟ من حديث رسكلة الفضلات الذي لفّه في حكاية بخيله أبي سعيد، تسلّل إلى جنحة السرقة. فأفتى فيها إفتاء جماعته من المعتزلة أصحاب مذهب المنزلة بين المنزلتين. انظر ماذا فعل؛ لقد ابتكر الفكرة، ونبّه اللصّ، وأسعفه بالمخرج (كدس التراب)، فأتاح له إمكانيّة المغفرة، فأعاد اللصّ ما سرق، واستعاد المسروق منه ما فقده، واحتفظ السّارق بيده حتى يقدر على العمل ليتجنّب السرقة من جديد، وانتهى الموضوع بلا دم. فلو قطعت يده فإنّه لن يجد ما يسرق به ولا ما يعمل به حتى وإن تاب واعتذر. فقطع اليد قطع للحياة وإنتاج لمعوّق عاجز يصير عبئا على الجميع. أرأيت حكمة الجاحظ. بالعقل وحده أحقّ الحقّ ونشر العدل وأثبت سماحة الإسلام وأنهى الموضوع بسلامة الجميع، فلا أحد خسر. الجميع كانوا رابحين.
رفيقي
ليتك تقرأ الجاحظ.. ليتك تصبح جاحظيّا فتفكّرَ فنحبّكَ.



#مصطفى_القلعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة تفكيكيّة إلى رفيقي السلفيّ
- طقوس العيد سطوة البداوة وتبدّد المشهد المدينيّ
- حركة -نداء تونس- وأهداف الثورة التونسيّة
- معا من أجل الخلافة السّادسة بإذن الله
- نقد الجبهة الشعبيّة- اليساريّة التونسيّة الجديدة
- في عبثيّة الاتّكاء على الفراغ ردّ على دعاة -الثورة بلا قادة-
- محمود درويش - سميولوجيا الحصار وعزلة الكائن الفلسطينيّ
- الكتابة والاستبداد
- الألعاب والاستلاب
- كنّا هنا.. وما كانوا هنا
- الملح.. الوجود استعارة
- «المرأة نصف المجتمع»؟؟
- باقة زهور إلى الاتّحاد العامّ التونسيّ للشغل
- العقل الأخلاقي والبراغماتيّة السياسيّة في تونس المعاصرة
- مسؤوليّة اليسار في تاريخ تونس المعاصر
- قطاع الصحّة في تونس: تكريس لاستغلال الكادحين وإتاحة فرصة الت ...
- الحياة رقصة
- اليسار العربيّ عاطل إيكولوجيّا
- رأس المال والقيم
- رسالة إلى أصدقائي النهضويّين التونسيّين


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف منشآت عسكرية إسرائيلية بال ...
- فتوى جديدة حول أخذ بصمة الميت لفتح هاتفه
- -بوليتيكو-: منظمات وشخصيات يهودية نافذة تدعم الاحتجاجات المؤ ...
- الأردن.. فتوى جديدة حول أخذ بصمة الميت لفتح هاتفه
- الاحتفال بشم النسيم 2024 وما حكم الاحتفال به دار الإفتاء توض ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل جمعا من مسؤولي شؤون الحج
- فتوى في الأردن بإعادة صيام يوم الخميس لأن الأذان رفع قبل 4 د ...
- “أغاني البيبي المفضلة للأطفال” ثبتها الآن تردد قناة طيور الج ...
- القمة الإسلامية بغامبيا تختتم أعمالها بـ-إعلان بانجول- وبيان ...
- قادة الدول الإسلامية يدعون العالم إلى وقف الإبادة ضد الفلسطي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى القلعي - رسالة جديدة إلى رفيقي السلفيّ